داء فقدان المناعة (السيدا أو الأيدز) بالمغرب
نلاحظ ارتفاعا مستمرا في حالات الإصابة بداء فقدان المناعة، لا سيما بالدول الفقيرة و السائرة في طريق النمو، و التي أضحت تحتضن الآن 95 في المائة من عدد المصابين بهذا الداء في العالم و البالغ عددهم حسب الإحصائيات المتوفرة ما يناهز 40 مليون شخص، علما أن هناك حوالي 5,5 مليون حالة إضافية كل سنة. كما أن ما يناهز 80 في المائة من المصابين هم من الشباب.
و رغم أن المغرب يوجد حاليا في منطقة تعد الأقل تضررا في العالم إذا أعبرنا الإحصائيات الرسمية في هذا الصدد، إلا أن موقعه الجغرافي يجعله من المناطق الممكن أن ترتفع فيها نسبة المصابين.
و كباقي الدول احتفل المغرب في فاتح دجنبر باليوم العالمي لمحاربة السيدا، و هو يوم أضحى يكتسي رمزية خاصة على الصعيد العالمي، لاسيما و أنه انطلق منذ الإقرار به للتعبير عن التضامن مع المصابين و عائلاتهم و أسر ضحايا هذا الداء الفتاك، و كذلك لتقييم انجازات كل الفعاليات في هذا المجال و دق أجراس الخطر حول هذا الداء.
و إذا كان وضع السيدا ليس معروفا بدقة بالمغرب، فإن جملة من المؤشرات يدعو إلى الاهتمام بهذا الأمر و ايلاء الأهمية التي يستوجبها حتى لا نستيقظ يوما بعد سنوات قليلة قادمة لنجد أنفسنا في مواجهة معضلة بسبب هذا الداء و توابعه.
فالأرقام المعلنة حاليا بالمغرب تصل إلى 1250 حالة إصابة بداء السيدا و ما يقارب 20 ألف حامل للفيروس. علما أن هناك حالات غير معلنة لا يعلمها إلا الله.
و من بين الجمعيات النشيطة في هذا المجال بالمغرب الجمعية المغربية للشباب ضد السيدا، و التي تحاول القيام بدورها رغم عدم توفر أرضية واضحة للتعاون بين مختلف فعاليات المجتمع المغربي في بخصوص هذا الأمر. و يعود الفضل إلى هذه الجمعية في إخراج داء السيدا من أيدي الأطباء و المختصين لعرضه جماهيريا في الشارع المغربي على العموم بجرأة و مسؤولية. و قد ساهمت الجمعية في نشر الوعي و التحسيس بخطورة انتشار هذا الداء و بطريقة و أسلوب و منهجية في متناول الجميع، كما تعمل الجمعية على إدماج التربية الجنسية في حياة المواطنين و في حياة الفئات الشابة ساعية الوصول الى تفعيل شروط التنمية المندمجة، باعتبار أن التصدي لداء السيدا يدخل بالأساس في إطار التنمية الإجتماعية و الإقتصادية و محاربة الفقر و التهميش و الإقصاء. و حاليا تعتبر الجمعية أنه يجب تحقيق إجرائين ضروريين قبل التفكير في بلورة استراتيجية واضحة المعالم و دقيقة المقاصد في هذا المجال. و أولهما إلتزام المغاربة بشروط الوقاية و حماية أنفسهم لحماية الغير. و الإجراء الثاني هو إلتزام الحكومة المغربية و السياسيين و أصحاب القرار للحد من إنتشار هذا الداء الخطير. و لن يتم هذا إلا في إطار توفير التغطية الصحية المجانية للفقراء و المعوزين و محاربة الفقر و البطالة و السكن غير اللائق و تحسين ظروف العيش.
و لا يخفى على أحد أن داء السيدا مازال يعتبر تحديا لرجال العلم و التكنولوجيا الذين فشلوا إلى حد الآن في التصدي لهذا الفيروس الذي يحصد و لاازال أكثر من 25 مليون شخص و قد خلف أكثر من 14 مليون يتيم و يتيمة. كما لا يخفى أن داء السيدا أصبح الآن آفة عالمية تصيب جميع الدول، و ينتشر بسرعة و من انه أن يسبب مشاكل صحية و إجتماعية و اقتصادية. و قد اكتشف لأول مرة بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1981، إلا أن هناك جملة من الدراسات تبين وجود حالات الإصابة قبل هذا التاريخ في أماكن أخرى من العالم. إلا أنه لم يتم الكشف عنه آنذاك. و إذا كان مصدر هذا الداء مجهولا فهو الآن داء موجود في جميع مناطق العالم. و يبدو أن الفكرة السائدة الآن تقول بأن مصدر داء السيدا من افريقيا، علما أنه تم اكتشاف فيروس شبيه بفيروس السيدا عند قردة افريقية. إلا أن هناك العديد من الآراء و النظريات تفند ذلك. وللإشارة فقط هناك من قال أن هذا الداء من صنع مختبرات تابعة لمخابرات بعض الدول إلا أن هذا يظل مجرد إدعاء بدون أدنى دليل لحد الآن. و لا زال هذا الداء ينتشر في العالم، إذ حسب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة السيدا هناك أكثر من 16 ألف حالة تسجل كل يوم في العالم.
و داء السيدا من بين الأمراض المنقولة جنسيا، و هو مرض تعفني فيروسي، ينتقل عبر الإفرازات الجنسية أو بواسطة الدم عبر استعمال المخدرات عن طريق الحقن أو عند نقل الأعضاء و التبرع بالمني.
و يمر داء السيدا بمرحلتين، مرحلة حمل الفيروس و مرحلة المرض. أما في المرحلة الأولى فلا تظهر علامات أو أعراض. أما في المرحلة الثانية فتظهر الأعراض و العلامات، منها الهزال و نقصان الوزن و الإسهال المزمن و ظهور التعفنات و انتشار الأورام. و يتم تشخيص الإصابة بالفيروس بواسطة التحاليل المخبرية. و يمكن الآن التحكم في المرض وتحسين حالة المريض دون التوصل الى القضاء عليه نهائيا. إلا أن تكاليفه مرتفعة جدا، 2000 درهم (200 دولار) شهريا للشخص على الأقل، علما أنه لا يوجد لقاح ناجع للسيدا إلى حد الآن.
و قد تمكنت الدول المتقدمة أن تسجل تراجعا نسبيا لهذا الداء بفضل إمكانياتها المعبئة لمواجهته، إذ أصبح منحصرا في الأوساط المهمشة.و بالمغرب يبدو أن الحالة الوبائية لداء السيدا لازالت محدودة و ليست مخيفة و أغلب المصابين يتواجدون في الوسط الحضري و لاسيما وسط الشباب (ما بين 30 و 39 سنة) و أغلب الإصابات المعلروفة تمت عن طريق العلاقات الجنسية. إلا أن ضعف الإمكانيات و قلة حملات التوعية الموجهة لأوسع الفئات و عدم إتاحة الفرص للحديث عن السيدا بالقدر الكافي و الطلوب مازال يشكل عوائق في وجه استراتيجية التصدي لهذا الداء بالمغرب. و يمكن إعتبار الفقر و الأمية و الظروف الاقتصادية الاجتماعية الصعبة تعرض للإصابة لجملة من الأمراض و من ضمنها السيدا و ذلك لعدم تمكن الفئات الفقيرة من مواجهة مشاكل الحياة لا سيما الأمراض.